وفاة طفل بسبب الحليب في قطاع غزة: مأساة تكشف عمق الكارثة الصحية والإنسانية
في مشهد يُجسد عمق المأساة التي يعيشها قطاع غزة المحاصر، توفي طفل رضيع لم يتجاوز عامه الأول بسبب تناوله حليبًا فاسدًا، في حادثة هزّت وجدان الشارع الغزّي وكشفت عن الانهيار الخطير في المنظومة الصحية والرقابية في القطاع. هذه الواقعة المروعة لم تكن مجرد خبر عابر، بل أصبحت رمزًا للكارثة المتفاقمة التي تحيط بأبناء غزة، لا سيما الأطفال، الذين يُدفعون ثمن الحصار والجوع ونقص الرعاية الصحية.![]() |
وكالة الفيزا نيوز| روحي معك يامّا.. في الجنة يامّا.. أم تودع طفلها الرضيع الذي استشهد بسبب نقص الحليب في قطاع غزة. |
تفاصيل الحادثة: الحليب القاتل
بحسب إفادة والدي الطفل، فإن الرضيع كان يعاني من سوء تغذية نتيجة شحّ الحليب والمواد الغذائية الخاصة بالأطفال الرضع، وقد اضطُرّت العائلة لشراء عبوة حليب أطفال من السوق السوداء، بعد أن فُقدت تمامًا من المراكز الصحية والصيدليات بسبب الحصار المشدد. لم تمرّ ساعات على تناول الطفل للحليب حتى بدأت تظهر عليه أعراض تسمم حاد، شملت قيئًا شديدًا وإسهالًا متواصلًا وارتفاعًا مفاجئًا في درجة الحرارة.تمّ نقل الطفل على وجه السرعة إلى أحد المستشفيات الميدانية، إلا أن نقص الأجهزة الطبية وانعدام الأدوية اللازمة للحالات الطارئة، إلى جانب تأخر التشخيص، كلها عوامل ساهمت في تدهور حالته الصحية، حتى فارق الحياة بعد ساعات قليلة من دخوله المستشفى، تاركًا وراءه فاجعة حقيقية لعائلته وألمهًا مضاعفًا لقلوب الغزيين.
انهيار المنظومة الصحية: الأسباب والجذور
لا يمكن النظر إلى هذه الحادثة بمعزل عن السياق العام الذي يعيشه قطاع غزة منذ سنوات طويلة، خاصة منذ اشتداد الحصار الإسرائيلي وقطع الإمدادات الحيوية من أدوية وأغذية ومستلزمات طبية. فقد حذّرت منظمات دولية، من بينها منظمة الصحة العالمية، مرارًا وتكرارًا من خطورة تدهور الوضع الصحي في القطاع، إلا أن تلك التحذيرات لم تلقَ صدىً فعليًا على الأرض.**نقص الحليب المخصص للرضع** بات أمرًا مألوفًا في غزة، حيث تُسجل معظم الصيدليات نفادًا شبه دائم لتلك الأنواع من الحليب، بينما يُمنع دخول الكثير منها عبر المعابر بحجة “الرقابة الدوائية”. أما ما يتوفر في السوق السوداء، فهو إما منتهي الصلاحية أو غير مطابق للمواصفات، ما يعرّض حياة الأطفال لأخطار قاتلة كما حدث مع الطفل المتوفى.
السوق السوداء: تجارة الموت
في ظل الحصار، نشطت السوق السوداء في قطاع غزة بشكل كبير، خصوصًا في المنتجات الطبية والغذائية. وأصبح الأهالي مجبرين على اللجوء إلى شراء الحليب والأدوية من مصادر غير رسمية، غالبًا ما تكون مجهولة المصدر أو مهربة بطريقة تفتقر إلى أدنى معايير التخزين السليم. وتُعد هذه التجارة غير الشرعية سببًا مباشرًا في مآسٍ صحية متكررة، لا سيما لدى الأطفال والمسنين.اللافت في هذه القضية أن **عدم توفر أي جهة رقابية فعالة** داخل القطاع بسبب الانقسام السياسي والحصار الإداري المفروض على المؤسسات الصحية، جعل من مسألة المتابعة والتفتيش على المنتجات الغذائية والدوائية أمرًا شبه معدوم. وهذا ما يفسر تكرار حالات التسمم وسوء التغذية في أوساط الأطفال.
صرخة وجع: الطفل ليس أول الضحايا
ليست هذه الحادثة الأولى، ولن تكون الأخيرة ما لم يتحرك العالم لإنقاذ غزة من الانهيار الكامل. فالتقارير الطبية والحقوقية تؤكد وجود ارتفاع ملحوظ في نسب وفيات الأطفال نتيجة سوء التغذية ونقص الأدوية، وهو ما يجعل وفاة الطفل بسبب الحليب حلقة مأساوية في سلسلة طويلة من الجرائم الصامتة.الأطباء في غزة أكدوا أن **القطاع يشهد أزمة إنسانية وصحية غير مسبوقة**، حيث يعاني آلاف الأطفال من نقص المناعة وفقر الدم نتيجة غياب التغذية السليمة، وهو ما يضاعف من حساسيتهم تجاه أي مواد غذائية فاسدة.
المطالب الشعبية: أين العالم؟
الحادثة أثارت موجة غضب واستنكار في الشارع الفلسطيني، حيث خرجت دعوات للمؤسسات الحقوقية والدولية بالتدخل العاجل لوقف هذا النزيف الإنساني. كما طالبت عائلات كثيرة بتوفير ممرات إنسانية لإدخال الغذاء والدواء، بعيدًا عن التجاذبات السياسية.أما على المستوى الشعبي، فقد عبّر الغزيون عن ألمهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت صورة للطفل الضحية مصحوبة بوسم: #حليب\_قاتل و#أنقذوا_أطفال_غزة، في محاولة للفت أنظار العالم إلى هذه الجريمة الصامتة.
ختامًا: من يحاسب القتلة الصامتين؟
في غزة، الحليب قد يقتل. ليس لأنه في ذاته خطر، بل لأن الحياة هناك محاصَرة حتى في تفاصيلها الصغيرة. وفاة هذا الطفل ليست مأساة عائلية فقط، بل هي وصمة عار في جبين الإنسانية الصامتة. إن السكوت على الحصار، وعلى انعدام الأدوية، وعلى غياب الرقابة، هو شراكة غير مباشرة في جريمة يموت فيها الأبرياء كل يوم.
هل سيتحرّك العالم؟ أم سيُترك أطفال غزة ليُقتلوا بصمت… حتى وهم يشربون الحليب؟