رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا الدوافع والتحديات والتأثيرات المحتملة

رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا. الدوافع والتحديات والتأثيرات المحتملة

شهدت سوريا خلال السنوات الماضية عزلة اقتصادية خانقة نتيجة العقوبات الغربية والأمريكية التي فُرضت على خلفية الصراع المسلح المستمر منذ عام 2011. وقد شكلت هذه العقوبات أحد أبرز عوامل التدهور الاقتصادي في البلاد، مؤثرةً على مختلف القطاعات الحيوية مثل التجارة، الطاقة، الصحة، والتعليم. ومع التغيرات الجيوسياسية في المنطقة والاتجاهات الإقليمية الجديدة نحو إعادة العلاقات مع دمشق، عاد الحديث بقوة عن إمكانية رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عن سوريا، مما يفتح باب التساؤل حول أبعاد هذا القرار وتداعياته السياسية والاقتصادية.
AlvisaNews| رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا

خلفية العقوبات الاقتصادية على سوريا

بدأت العقوبات الغربية على سوريا منذ أوائل عام 2011، حين فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قيودًا مالية وتجارية تهدف إلى الضغط على الحكومة السورية لوقف عمليات القمع ضد المتظاهرين، ومن ثم وقف الحرب. ومع تطور الصراع، توسعت العقوبات لتشمل:
العقوبات الأمريكية (قانون قيصر): أقرّ عام 2019، ويستهدف بشكل خاص الأفراد والشركات التي تدعم النظام السوري، بما في ذلك حلفاؤه الروس والإيرانيون.
العقوبات الأوروبية: تشمل حظر تصدير الأسلحة، تجميد الأصول، ومنع التعامل مع مؤسسات مالية سورية.
عقوبات إضافية من كندا، أستراليا، واليابان.
وقد أدت هذه العقوبات إلى شلل اقتصادي واسع النطاق، حيث انهارت العملة السورية، وارتفعت نسب التضخم، وتراجعت مستويات المعيشة إلى حدود غير مسبوقة.

دوافع الحديث عن رفع العقوبات

1. تغير التوازنات الإقليمية شهدت المنطقة تغيرات سياسية لافتة، منها:
  • عودة العلاقات العربية-السورية، خاصة مع دول الخليج.
  • التقارب التركي مع دمشق تحت رعاية روسية.
  • فتح قنوات حوار غير مباشرة بين الولايات المتحدة والنظام السوري عبر أطراف ثالثة.
2. الاعتبارات الإنسانية
  • تصاعدت الدعوات من منظمات دولية لرفع أو تخفيف العقوبات، خاصة بعد **زلزال فبراير 2023** الذي ضرب شمال سوريا، وأدى إلى تفاقم الوضع الإنساني، وسط صعوبة وصول المساعدات بسبب العقوبات.
3.الرغبة الدولية في إعادة الاستقرار
  • ترى بعض الدول أن رفع العقوبات المشروطة قد يشجع النظام السوري على الانخراط في حل سياسي، وفتح المجال أمام إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

 المواقف الدولية من رفع العقوبات

الولايات المتحدة
  • ما زالت واشنطن متمسكة بموقفها الرافض لرفع العقوبات دون تحقيق تقدم ملموس في المسار السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254. غير أنها خففت بعض القيود لأسباب إنسانية عقب الزلزال.
الاتحاد الأوروبي
  • يربط الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات بتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية. ومع ذلك، هناك أصوات داخلية في بعض الدول الأوروبية تدعو إلى **تخفيف الضغوط الاقتصادية** لدواعٍ إنسانية واستراتيجية.
الدول العربية
  • عدد من الدول، مثل الإمارات والسعودية، عادت إلى دمشق سياسيًا، وتضغط من أجل تخفيف العقوبات، معتبرة أن عزل سوريا يطيل الأزمة ويهدد الاستقرار الإقليمي.
روسيا والصين
  • تعارضان العقوبات من حيث المبدأ، وتعتبرانها أدوات غير شرعية، وتدفعان نحو إنهائها الكامل لدعم حليفهما الاستراتيجي في المنطقة.

التحديات أمام رفع العقوبات

1. رفض غربي دون تنازلات سياسية واضحة
  •  لا يبدو أن الغرب مستعد لرفع العقوبات دون خطوات ملموسة من النظام السوري مثل إطلاق سراح المعتقلين، والقبول بإصلاحات دستورية وانتخابات حرة.
2. الخشية من تعزيز قوة النظام دون تحقيق تسوية
  • ترى بعض الأطراف أن أي تخفيف للعقوبات قد يُستخدم لإعادة تمويل آلة القمع بدل إعادة الإعمار أو تحسين الوضع المعيشي.
3. الملف الإيراني
يرتبط الوضع السوري بشكل وثيق بالنفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ملف حساس بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، ما يصعّب أي تسوية دون معالجة هذا البُعد.

التأثيرات المحتملة لرفع العقوبات

1. تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي
  • رفع العقوبات سيتيح عودة الاستثمارات، ويخفف من تدهور الليرة السورية، ويفتح المجال أمام دخول المساعدات الدولية بدون عراقيل قانونية.
2. إعادة الإعمار
  • من شأن تخفيف القيود أن يسهم في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، خاصة إذا تم ذلك ضمن خطة دولية تراقب آليات التوزيع والإنفاق.
3. عودة تدريجية للاجئين
  • مع تحسن الأوضاع المعيشية وتراجع حدة الحرب، قد يعود بعض اللاجئين السوريين من دول الجوار، مما سيقلل من الضغوط على تلك الدول.
4. انعكاسات على العلاقة مع الحلفاء
  • قد تستثمر إيران وروسيا رفع العقوبات لتثبيت حضورهما الاقتصادي والسياسي في سوريا، مما يعمق نفوذهما ويعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية.

 السيناريوهات المستقبلية

| السيناريو                                   | التوصيف

(تخفيف جزئي للعقوبات الإنسانية)    | الأكثر ترجيحًا على المدى القصير، يشمل المواد الغذائية والطبية وقطاع الطاقة.
(رفع مشروط للعقوبات)                    | مقابل خطوات من النظام السوري في ملف المعتقلين والحل السياسي.
(استمرار العقوبات الحالية)              | في حال تمسك النظام بمواقفه وغياب أي انفراج سياسي.
(رفع شامل للعقوبات)                      | سيناريو ضعيف حاليًا، يتطلب توافق دولي غير متوفر حتى الآن.
 
  • مسألة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا تبقى رهينة توازنات سياسية معقدة تتداخل فيها المصالح الدولية والإقليمية. فبين الرغبة في تخفيف المعاناة الإنسانية، والخشية من تقوية النظام دون مقابل سياسي، تقف الدول الكبرى في موقف حرج. غير أن المؤكد هو أن أي تخفيف للعقوبات يجب أن يكون جزءًا من رؤية شاملة لحل الأزمة السورية، تشمل المسار السياسي، والمصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، وإعادة الإعمار. فبدون ذلك، ستظل العقوبات سيفًا مسلطًا على رقاب السوريين، سواء بقيت أم رُفعت.

تعليقات