سيتي غروب متفائلون بآفاق دول الخليج الاقتصادية رغم تراجع أسعار النفط وتأثيره على الخليج

سيتي غروب: متفائلون بآفاق دول الخليج الاقتصادية رغم تراجع أسعار النفط وتأثيره على الخليج

رغم التقلّبات الحادة التي شهدتها أسواق الطاقة العالمية خلال السنوات الأخيرة، والتي انعكست على أسعار النفط بشكل مباشر، لا تزال دول الخليج العربي تبدي قدرة لافتة على مقاومة آثار هذا التراجع. وقد جاء تأكيد هذه النظرة من مؤسسة مالية عالمية بحجم (سيتي غروب)، التي أعربت عن تفاؤلها الكبير تجاه مستقبل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرة إلى أنها أصبحت أكثر مرونة في مواجهة تقلبات السوق بفضل الإصلاحات الجذرية التي نُفذت منذ منتصف العقد الماضي.
هذا المقال يستعرض بالتفصيل نظرة سيتي غروب إلى آفاق الاقتصاد الخليجي، مع تسليط الضوء على السياسات المالية والاقتصادية التي تعزز هذا التفاؤل، والدروس المستفادة من التحديات السابقة، بالإضافة إلى مستقبل الاستثمارات والمشاريع التنموية الكبرى في المنطقة.

تراجع أسعار النفط: التحدي المستمر وتأثيره علي الخليج

من المعروف أن النفط يشكل مصدر الدخل الرئيسي لمعظم دول الخليج، إلا أن الأسعار شهدت تقلبات مستمرة منذ عام 2014، وصولًا إلى انهيارات دراماتيكية خلال جائحة كوفيد-19، قبل أن ترتفع مجددًا في 2022 على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، ثم تعاود الهبوط في 2024-2025 مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وزيادة الإنتاج من بعض الدول.
سيتي غروب تُقر بأن هذا التراجع يمثل تحديًا، لكنه لم يعد كما كان في السابق يمثل تهديدًا وجوديًا لاقتصادات الخليج. فالدول الخليجية طوّرت أدوات مالية واستثمارية للتعامل مع دورات الأسعار، أبرزها:
  1. الفوائض المالية المدارة عبر الصناديق السيادية.
  2. برامج الإصلاح الاقتصادي والخصخصة.

تعزيز الإيرادات غير النفطية، التفاؤل المستند إلى الواقع: سياسات اقتصادية مرنة ومدروسة

في تقرير سيتي غروب، تم التأكيد على أن التفاؤل ليس عشوائيًا، بل ينبع من متابعة دقيقة للسياسات والخطط الاقتصادية التي تنفذها دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر.
1. المملكة العربية السعودية رؤية 2030 تغيّر المعادلة
منذ إطلاق رؤية 2030، بدأت السعودية رحلة جادة نحو تنويع الاقتصاد. وتشير سيتي غروب إلى:
  • النمو السريع في القطاعات غير النفطية مثل السياحة، الترفيه، التكنولوجيا، والطاقة المتجددة.
  • مشاريع ضخمة مثل نيوم، ذا لاين، القدية**، التي تحفّز الاستثمار المحلي والأجنبي.
  • الإصلاحات الجذرية في بيئة الأعمال، مثل تقليص البيروقراطية وتحسين الشفافية.
- كما لاحظ التقرير أن السعودية استطاعت خلال العامين الأخيرين الحفاظ على فائض في الميزانية العامة، رغم تراجع أسعار النفط.
 2. الإمارات العربية المتحدة: الاقتصاد الأكثر تنوعًا في المنطقة
تشير سيتي غروب إلى أن الإمارات هي الدولة الخليجية التي حققت أعلى مستوى من التنويع الاقتصادي حتى الآن، حيث:
  • يشكل النفط أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • دبي أصبحت مركزًا عالميًا للتجارة والسياحة والخدمات اللوجستية.
  • أبوظبي تعزز استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، والصناعات الدفاعية، والطاقة النظيفة.
ويُعد استقرار الدرهم وربطه بالدولار، مع وجود احتياطات نقدية ضخمة، عنصرًا رئيسيًا في مرونة الاقتصاد الإماراتي.
3.قطر: بعد المونديال، تركيز على الاستدامة والنمو طويل الأجل
نجحت قطر في تحقيق طفرة اقتصادية خلال فترة كأس العالم 2022، واليوم تسعى للحفاظ على الزخم من خلال:
  • التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وهو مصدر حيوي في ظل التحول العالمي نحو مصادر طاقة أنظف.
  • تطوير البنية التحتية التعليمية والبحثية.
  • إطلاق مشاريع صناعية وتقنية في مناطق حرة مخصصة لجذب المستثمرين الأجانب.

التحولات الجيوسياسية والاستفادة الخليجية

تشير سيتي غروب إلى أن دول الخليج تعاملت بذكاء مع التحولات الجيوسياسية العالمية، بما في ذلك:
  1. الحياد الإيجابي تجاه النزاعات الكبرى مثل الصراع الروسي الأوكراني.
  2. تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين والهند، وهما من أكبر مستوردي الطاقة في العالم.
  3. قيادة مبادرات إقليمية للاستثمار المشترك مثل الاتفاقات الاقتصادية مع دول أفريقيا وآسيا الوسطى.
  • وهذه السياسات أدت إلى تقليل اعتماد الخليج على الشراكات الغربية التقليدية، وزيادة تنوع الأسواق والفرص الاستثمارية.

الدور الحيوي للصناديق السيادية

تولي سيتي غروب أهمية كبرى لدور الصناديق السيادية في استقرار الاقتصادات الخليجية. فالصناديق مثل:
  1. صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)
  2. جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)
  3. هيئة قطر للاستثمار (QIA)
تلعب دورًا حيويًا في:
١- تمويل مشاريع استراتيجية داخلية.
٢- الاستثمار في الأسواق العالمية لتوفير عوائد مستقبلية مستدامة.
٣- دعم التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، والابتكار، والبنية التحتية الذكية.

تحديات قائمه لكن يمكن تجاوزها رغم التفاؤل الكبير، لا تنفي سيتي غروب وجود عدد من التحديات، ومن أبرزها:

1. معدلات البطالة بين الشباب:
  • بعض الدول الخليجية، خصوصًا ذات الكثافة السكانية مثل السعودية، تواجه تحدي دمج الشباب في سوق العمل، خاصة في القطاع الخاص.
2. الاعتماد غير المتكافئ على العمالة الأجنبية:
  • تحتاج دول الخليج إلى تحقيق توازن أكبر بين توطين الوظائف والحفاظ على تنافسية السوق.
3. التغيرات المناخية والبيئية:
  • تهديد ارتفاع درجات الحرارة وشحّ المياه قد يفرض ضغوطًا إضافية على البنية التحتية والموارد الطبيعية.
  • لكن سيتي غروب تؤكد أن الالتزام بالإصلاحات والاستثمارات الذكية سيحافظ على الاستقرار الاقتصادي حتى في ظل هذه التحديات.

التحول الرقمي: نقطة قوة خليجية

من العناصر الإيجابية التي سلطت عليها سيتي غروب الضوء، التقدم السريع في (التحول الرقمي) داخل دول الخليج كالاتي:
  1. إطلاق خدمات حكومية رقمية شاملة (مثل منصة "توكلنا" في السعودية، و"بنك الإمارات الرقمي")
  2. اعتماد حلول الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في قطاعات متعددة.
  3. دعم ريادة الأعمال الرقمية من خلال حاضنات ومسرّعات أعمال.
  • هذا التوجه يُعد عاملًا مهمًا في **جذب الاستثمارات التقنية، وتحفيز الابتكار، وخلق وظائف عالية القيمة.

أسواق المال الخليجية: جاذبية متزايدة للمستثمرين الدوليين

تشير سيتي غروب إلى أن أسواق المال الخليجية، وخاصة السعودية والإمارات وقطر، تشهد اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين العالميين، بسبب:
  1. الانضباط المالي والشفافية.
  2. العوائد الجيدة مقارنة بالأسواق النامية الأخرى.
  3. إدراج الشركات الكبرى وفتح الباب أمام المزيد من الطروحات الأولية (IPOs).
  • كما أن انضمام أسواق الخليج إلى مؤشرات عالمية مثل **MSCI وFTSE** عزز ثقة المستثمرين الدوليين بها.
آفاق مستقبلية واعدة
ترى سيتي غروب أن دول الخليج أمامها فرص كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي خلال السنوات العشر المقبلة، خصوصًا إذا استمرت في:
  1. تعزيز الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية.
  2. تسريع مشاريع التحول الرقمي والطاقة المتجددة.
  3. رفع كفاءة التعليم والتدريب المهني.
  4. تطوير الصناعات المتقدمة والابتكار المحلي.
  • وتتوقع المجموعة أن بعض دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، قد تتحول إلى **قوى اقتصادية إقليمية غير نفطية** خلال عقد واحد فقط.

  • في النهاية رغم أن أسعار النفط لا تزال تتذبذب على وقع الأحداث العالمية، فإن الاقتصادات الخليجية أثبتت قدرتها على التحول من مجرد دول ريعية تعتمد على الذهب الأسود، إلى قوى اقتصادية صاعدة تقوم على التنوع، والكفاءة، والرؤية المستقبلية. وتأكيد سيتي غروب على هذا التفاؤل هو دليل إضافي على أن دول الخليج تسير بخطى واثقة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، مستندة إلى استراتيجيات طموحة وسياسات اقتصادية مرنة تواكب التغيرات العالمية.
تعليقات