بشيء من الظبط وكثير من التخطيط أحيا أتباع وقيادات حركة النهضة التونسية الذكرى الثالثة والأربعين لتأسيس حركة الاتجاه الإسلامي. مناسبة حلّت والحزب يمرّ بظرف خاص وحداث مثيرة، إذ يقع بعض قياداته في السجن، على رأسها الزعيم التاريخي المؤسّس الشيخ راشد الغنوشي، كما يخضع الحزب لقرار قضائي بغلق مقراته كلها، بما فيها مقرّه المركزي في العاصمة، رغم ذلك، يسجل الحزب وجوده كعمود فقري لجبهة التحرير المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيد، ذلك أن جماهير حركة وحزب النهضة الإسلامي تبقى الخزّان الأساسي للجبهة في كل التحرّكات التي دعت لها ونفذتها.
![]() |
الفيزا نيوز| راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والقيادي عبد الفتاح بصحبة عدد من نواب الحركة |
التجربة التونسية مع الحركة الإسلامية تمتاز بتطوراتها السياسية والاجتماعية الفريدة، التي تعكس سياقًا مختلفًا عن باقي الدول العربية. منذ أواخر السبعينيات، ظهرت حركة النهضة الإسلامية كلاعب رئيسي في الساحة السياسية التونسية، متأثرة في البداية بفكر الإخوان المسلمين، لكنها سرعان ما بدأت تطور نموذجًا خاصًا بها متماشيًا مع الواقع التونسي.
هذه الجماعة بدأت كحركة دينية اجتماعية تهدف إلى إصلاح المجتمع عبر نشر الفكر الإسلامي الوسطي، لكنها تأثرت بفكر الإخوان المسلمين، حيث تبنت خطابًا يُركز على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع.
في هذه الفترة، حاولت الحركة الموازنة بين العمل الدعوي والسياسي، لكنها اصطدمت بالنظام الذي اعتبرها تهديدًا لأسس الدولة العلمانية.
نجحت الحركة في تحقيق نتائج لافتة، لكنها لم تُمنح الشرعية السياسية. بدلًا من ذلك، تصاعدت موجة القمع مرة أخرى، حيث سُجن آلاف من أعضائها ونُفي قادتها، بما فيهم راشد الغنوشي.
خلال هذه الفترة، اعتمد النظام على تشويه صورة الحركة باعتبارها جزءًا من "الإرهاب الدولي"، خاصة بعد أحداث التسعينيات في الجزائر.
لكن هذه الفترة لم تكن سهلة، حيث واجهت النهضة تحديات ضخمة تتعلق بإدارة المرحلة الانتقالية، واتهامات بالتساهل مع الجماعات المتشددة، فضلاً عن التوترات مع القوى العلمانية.
في هذه الفترة، بدأ يظهر تحول في خطاب النهضة، حيث أعلنت عام 2016 عن "فصل الدعوي عن السياسي"، وهو ما عُد خطوة نحو بناء نموذج سياسي أقرب إلى الأحزاب المدنية.
النهضة الآن تواجه تحديات وجودية مع اعتقال عدد من قياداتها وتصاعد النقد الشعبي ضدها، بسبب ما يعتبره البعض إخفاقات سياسية واقتصادية خلال فترة حكمها.
النهضة تبنت خطابًا يركز على "الإسلام الديمقراطي"، لكنها تعرضت لانتقادات بسبب استمرار الشبهات حول علاقتها بالإخوان. هذه العلاقة أصبحت عبئًا سياسيًا على الحركة، خاصة في ظل تصاعد موجة العداء للإخوان في المنطقة.
التجربة التونسية مع الحركة الإسلامية تُظهر تفاعلاً معقدًا بين الدين والسياسة. حركة النهضة، التي بدأت كحركة إصلاحية ذات طابع إسلامي، تطورت لتصبح قوة سياسية مؤثرة، لكنها واجهت تحديات ضخمة سواء من النظام أو من داخل المجتمع.
في الوقت الحالي، يبدو أن الحركة في مرحلة إعادة تقييم لدورها ومستقبلها، في ظل سياق داخلي وإقليمي مليء بالتغيرات. التجربة التونسية قد تكون نموذجًا لدراسة كيف يمكن للحركات الإسلامية أن تتكيف مع متطلبات الديمقراطية والحداثة.
الجذور والتأسيس (1970-1980)
في السبعينيات، كانت تونس تمر بمرحلة تأسيسية بعد استقلالها عن فرنسا عام 1956. الرئيس الحبيب بورقيبة كان يسعى لبناء دولة علمانية تعتمد على التعليم والتحديث، لكنه واجه تحديات اجتماعية ودينية. في هذا السياق، ظهرت "الجماعة الإسلامية" عام 1972 بقيادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو.هذه الجماعة بدأت كحركة دينية اجتماعية تهدف إلى إصلاح المجتمع عبر نشر الفكر الإسلامي الوسطي، لكنها تأثرت بفكر الإخوان المسلمين، حيث تبنت خطابًا يُركز على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع.
التحول إلى العمل السياسي (1980-1989)
في بداية الثمانينيات، تصاعد نشاط الجماعة الإسلامية وبدأت تتحول تدريجيًا إلى قوة سياسية. عام 1981، أعلنت الجماعة عن تغيير اسمها إلى "حركة الاتجاه الإسلامي"، وقدمت طلبًا للاعتراف بها كحزب سياسي، لكن بورقيبة رفض ذلك، وبدأت موجة من القمع ضد أعضائها.في هذه الفترة، حاولت الحركة الموازنة بين العمل الدعوي والسياسي، لكنها اصطدمت بالنظام الذي اعتبرها تهديدًا لأسس الدولة العلمانية.
عهد بن علي: القمع والاحتواء (1989-2011)
مع وصول زين العابدين بن علي إلى السلطة عام 1987، بدأت مرحلة جديدة. بن علي وعد بالإصلاح السياسي والانفتاح، مما دفع حركة الاتجاه الإسلامي للمشاركة في انتخابات 1989 بقوائم مستقلة تحت مسمى "النهضة".نجحت الحركة في تحقيق نتائج لافتة، لكنها لم تُمنح الشرعية السياسية. بدلًا من ذلك، تصاعدت موجة القمع مرة أخرى، حيث سُجن آلاف من أعضائها ونُفي قادتها، بما فيهم راشد الغنوشي.
خلال هذه الفترة، اعتمد النظام على تشويه صورة الحركة باعتبارها جزءًا من "الإرهاب الدولي"، خاصة بعد أحداث التسعينيات في الجزائر.
ثورة 2011: فرصة جديدة
مع اندلاع الثورة التونسية في 2011 وسقوط نظام بن علي، عادت حركة النهضة إلى الواجهة كأحد اللاعبين الرئيسيين. الحركة، التي كانت في المنفى لعقود، تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها وشاركت في أول انتخابات حرة عام 2011، حيث فازت بنسبة كبيرة من الأصوات وشكلت حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى.لكن هذه الفترة لم تكن سهلة، حيث واجهت النهضة تحديات ضخمة تتعلق بإدارة المرحلة الانتقالية، واتهامات بالتساهل مع الجماعات المتشددة، فضلاً عن التوترات مع القوى العلمانية.
التحديات الداخلية والخارجية (2013-2020)
بعد اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013، تفاقمت التوترات بين النهضة والقوى العلمانية. الحركة اضطرت لتقديم تنازلات، حيث تنازلت عن السلطة لصالح حكومة تكنوقراط بهدف تهدئة الأوضاع.في هذه الفترة، بدأ يظهر تحول في خطاب النهضة، حيث أعلنت عام 2016 عن "فصل الدعوي عن السياسي"، وهو ما عُد خطوة نحو بناء نموذج سياسي أقرب إلى الأحزاب المدنية.
عصر قيس سعيد (2021-حتى الآن)
مع وصول قيس سعيد إلى السلطة عام 2019، دخلت النهضة في مواجهة جديدة. الرئيس سعيد بدأ في تبني سياسات تستهدف الحد من نفوذ الحركة، خاصة بعد تجميده البرلمان في 2021 وحلّه لاحقًا.النهضة الآن تواجه تحديات وجودية مع اعتقال عدد من قياداتها وتصاعد النقد الشعبي ضدها، بسبب ما يعتبره البعض إخفاقات سياسية واقتصادية خلال فترة حكمها.
جماعة الإخوان المسلمين في الصورة
تاريخيًا، كانت حركة النهضة مرتبطة فكريًا بجماعة الإخوان المسلمين، لكنها حاولت النأي بنفسها عن التنظيم الدولي للإخوان، خاصة بعد ثورات الربيع العربي.النهضة تبنت خطابًا يركز على "الإسلام الديمقراطي"، لكنها تعرضت لانتقادات بسبب استمرار الشبهات حول علاقتها بالإخوان. هذه العلاقة أصبحت عبئًا سياسيًا على الحركة، خاصة في ظل تصاعد موجة العداء للإخوان في المنطقة.
التجربة التونسية مع الحركة الإسلامية تُظهر تفاعلاً معقدًا بين الدين والسياسة. حركة النهضة، التي بدأت كحركة إصلاحية ذات طابع إسلامي، تطورت لتصبح قوة سياسية مؤثرة، لكنها واجهت تحديات ضخمة سواء من النظام أو من داخل المجتمع.
في الوقت الحالي، يبدو أن الحركة في مرحلة إعادة تقييم لدورها ومستقبلها، في ظل سياق داخلي وإقليمي مليء بالتغيرات. التجربة التونسية قد تكون نموذجًا لدراسة كيف يمكن للحركات الإسلامية أن تتكيف مع متطلبات الديمقراطية والحداثة.